سورة لقمان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)}
هو لقمان بن باعورا: ابن أخت أيوب أو ابن خالته. وقيل: كان من أولاد آزر، وعاش ألف سنة، وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم، وكان يفتي قبل مبعث داود عليه السلام، فلما بعث قطع الفتوى، فقيل له؟ فقال: ألا أكتفي إذا كفيت؟ وقيل: كان قاضياً في بني إسرائيل، وأكثر الأقاويل أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لقمان لم يكن نبياً ولا ملكاً، ولكن كان راعياً أسود، فرزقه الله العتق، ورضي قوله ووصيته، فقص أمره في القرآن لتمسكوا بوصيته. وقال عكرمة والشعبي: كان نبياً. وقيل: خيّر بين النبوّة والحكمة فاختار الحكمة.
وعن ابن المسيب: كان أسود من سودان مصر خياطاً، وعن مجاهد: كان عبداً أسود غليظ الشفتين متشقق القدمين. وقيل: كان نجاراً. وقيل: كان راعياً وقيل: كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة. وعنه أنه قال لرجل ينظر إليه: إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض.
وروي أن رجلاً وقف عليه في مجلسه فقال: ألست الذي ترعى معي في مكان كذا؟ قال: بلى. قال ما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني.
وروي أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد كالطين، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت. فقال: الصمت حكمة وقليل فاعله، فقال له داود: بحق ما سميت حكيماً.
وروي أن مولاه أمره بذبح شاة وبأن يخرج منها أطيب مضغتين، فأخرج اللسان والقلب، ثم أمره بمثل ذلك بعد أيام وأن يخرج أخبث مضغتين فأخرج اللسان والقلب، فسأله عن ذلك؟ فقال: هما أطيب ما فيها إذا طابا، وأخبث ما فيها إذا خبثا.
وعن سعيد بن المسيب أنه قال لأسود: لا تحزن، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بلال ومهجع مولى عمر، ولقمان. {أن} هي المفسرة، لأنّ إيتاء الحكمة في معنى القول، وقد نبه الله سبحانه على أنّ الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي: هو العمل بهما وعبادة الله والشكر له، حيث فسر إيتاء الحكمة بالبعث على الشكر {غَنِىٌّ} غير محتاج إلى الشكر {حَمِيدٌ} حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد.


{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)}
قيل: كان اسم ابنه (أنعم) وقال الكلبي: (أشكم) وقيل: كان ابنه وامرأته كافرين، فما زال بهما حتى أسلما {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لأنّ التسوية بين من لا نعمة إلا هي منه، ومن لا نعمة منه البتة ولا يتصوّر أن تكون منه- ظلم لا يكتنه عظمه.


{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}
أي {حَمَلَتْهُ} تهن {وَهْناً على وَهْنٍ} كقولك رجع عوداً على بدء، بمعنى؛ يعود عوداً على بدء، وهو في موضع الحال. والمعنى: أنها تضعف ضعفاً فوق ضعف، أي: يتزايد ضعفها ويتضاعف؛ لأنّ الحمل كلما ازداد وعظم، ازدادت ثقلاً وضعفاً. وقرئ: {وهنا على وهن}. بالتحريك عن أبي عمرو. يقال: وهن يوهن. ووهن يهن وقرئ: {وفصله} {أَنِ اشكر} تفسير لوصينا {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أراد بنفي العمل به نفيه، أي: لا تشرك بي ما ليس بشيء، يريد الأصنام، كقوله تعالى: {مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْء} [العنكبوت: 42]. {مَّعْرُوفاً} صحابا، أو مصاحباً معروفاً حسناً بخلق جميل وحلم واحتمال وبر وصلة، وما يقتضيه الكرم والمروءة {واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ} يريد: واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه- وإن كنت مأموراً بحسن مصاحبتهما في الدنيا- ثم إليّ مرجعك ومرجعهما، فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما، علم بذلك حكم الدنيا وما يجب على الإنسان في صحبتهما ومعاشرتهما: من مراعاة حق الأبوة وتعظيمه، وما لهما من المواجب التي لا يسوغ الاخلال بها، ثم بين حكمهما وحالهما في الآخرة.
وروي: أنها نزلت في سعد ابن أبي وقاص وأمّه. وفي القصة: أنها مكثت ثلاثاً لا تطعم ولا تشرب حتى شجروا فاهاً بعود.
وروي أنه قال: لو كانت لها سبعون نفساً فخرجت، لما ارتددت إلى الكفر.
فإن قلت: هذا الكلام كيف وقع في أثناء وصية لقمان؟ قلت: هو كلام اعترض به على سبيل الاستطراد، تأكيداً لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك.
فإن قلت: فقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وفصاله فِي عَامَيْنِ} كيف اعترض به بين المفسر والمفسر؟ قلت: لما وصى بالوالدين: ذكر ما تكابده الأمّ وتعانيه من المشاق والمتاعب في حمله وفصاله هذه المدّة المتطاولة، إيجاباً للتوصية بالوالدة خصوصاً. وتذكيراً بحقها العظيم مفرداً، ومن ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: من أبر؟ «أمّك ثم أمّك ثم أمّك» ثم قال بعد ذلك «ثم أباك» وعن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره وهو يقول في حدائه بنفسه:
أحْمِلُ أُمِّي وَهِيَ الْحَمَّالَهْ *** تُرْضِعُنِي الدُّرَّةَ وَالْعُلاَلَه
وَلاَ يُجَازَى وَالِدٌ فَعَالَهْ ***
فإن قلت: ما معنى توقيت الفصال بالعامين؟ قلت: المعنى في توقيته بهذه المدة أنها الغاية التي لا تتجاوز، والأمر فيما دون العامين موكول إلى اجتهاد الأم: إن علمت أنه يقوى على الفطام فلها أن تفطمه، ويدل عليه قوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} [البقرة: 233] وبه استشهد الشافعي رضي الله عنه على أن مدة الرضاع سنتان، لا تثبت حرمة الرضاع بعد انقضائهما، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد. وأما عند أبي حنيفة رضي الله عنه. فمدة الرضاع ثلاثون شهراً.
وعن أبي حنيفة: إن فطمته قبل العامين فاستغنى بالطعام ثم أرضعته، لم يكن رضاعاً. وإن أكل أكلاً ضعيفاً لم يستغن به عن الرضاع ثم أرضعته، فهو رضاع محرم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7